نقاط مهمة في قانون الدستوري

لقانون الدستوري
القانون الدستوري حسب المعيار الشكلي: هو مجموعة القواعد التي تتضمنها الوثيقة الدستورية، فكل ما تحتوي هذه الوثيقة من قواعد تعتبر قواعد دستورية، وكل قاعدة لا تتضمنها وثيقة الدستور لا تعتبر دستورية.
مزايا المعيار الشكلي: يمتاز بالوضوح والتحديد، ويمثل الأساس الذي قامت عليه فكرة جمود الدستور وسموّه على القوانين العادية، لأن وضع الدستور وتعديله يتطلّب شروطاً وإجراءات خاصة تختلف عن القوانين العادية مما يستتبع سموّ قواعد الدستور على التشريعات العادية وعدم استطاعة المشرّع العادي الخروج على نصوص الدستور وأحكامه.
عيوب المعيار الشكلي
  إن الأخذ بهذا المعيار يؤدي إلى إنكار وجود دستور في دول الدساتير العرفية غير المدوّنة كبريطانيا.
  لا يعطي هذا المعيار تعريفاً دقيقاً وشاملاً للقانون الدستوري.
يؤدي الأخذ بالمعيار الشكلي إلى إدخال موضوعات غير دستورية في صلب القانون الدستوري، لأن الدساتير قد تتضمّن مسائل غير دستورية ترد في الدستور للتأكيد على أهميتها مثل تحريم إنتاج الخمور في الدستور الأمريكي.
  هناك مسائل ذات طبيعة دستورية ولها اتصال وثيق بالقانون الدستوري، ولكنها موجودة في قوانين عادية، والأخذ بالمعيار الشكلي يؤدي إلى اعتبار هذه المسائل خارجة عن إطار القانون الدستوري رغم ارتباطها الوثيق بالحياة الدستورية والسياسية، كقوانين الأحزاب وقوانين الانتخابات.
  يؤدي الأخذ بهذا المعيار إلى إغفال الأعراف والتقاليد الدستورية وإهمال المؤسّسات غير الرسمية وتأثيرها في الحياة السياسية.
القانون الدستوري حسب المعيار الموضوعي
يأخذ معظم فقهاء القانون الدستوري بالمعيار الموضوعي، لأن موضوع الدولة أحد الموضوعات الأساسية التي يتضمنها القانون الدستوري، والذي يتضمّن القواعد التي تتضمّن طبيعة الدولة – نوعها- ونوع الحكومة فيها، كما تحدّد المبادئ الأساسية التي تنظم السلطات العامة للدولة واختصاصاتها والعلاقات بينها

المصادر الرسمية للقانون الدستوري: التشريع الدستوري والعرف الدستوري
التشريع الدستوري
أولاً: الوثيقة الدستورية: المصدر الرئيسي للقواعد الدستورية في دول الدساتير المدوّنة بما تتضمنه من مبادئ وأحكام أساسية تتعلق بتنظيم السلطات العامة، وتوضع الوثيقة من قبل هيئة خاصة يطلق عليها السلطة التأسيسية.
السلطة التأسيسية الأصلية: تقوم بوضع دستور لدولة لا يوجد فيها دستور أصلاً، أو لم يعد فيها دستور، وبالتالي فهي سلطة أصلية لأنها لا تستند في عملها إلى نصوص وأحكام دستور سابق على وجودها وهي تتمتع بصلاحيات مطلقة في هذا المجال.
تظهر الحاجة إلى السلطة التأسيسية في حالتين: الحالة الأولى: قيام دولة جديدة فتقوم هذه السلطة بوضع أول دستور جديد للدولة.
الحالة الثانية: قيام ثورة أو انقلاب في دولة من الدول حيث يتم إلغاء الدستور القائم، ووضع دستور جديد يعبّر عن اتجاه الثورة.
السلطة التأسيسية المنشأة "سلطة التعديل": تستند في إنشائها إلى دستور قائم ونافذ يحدّد كيفية تشكيلها وممارستها لمهمتها، كما تلتزم بالنطاق الذي حدده الدستور وبما نص عليه من إجراءات.
ثانياً: القوانين الأساسية
مجموعة القوانين التي تصدر عن السلطة التشريعية، وتتعلق بتنظيم السلطات العامة في الدولة واختصاصاتها، أي أنها تتصل بموضوعات دستورية بطبيعتها كقانون الانتخابات.
وتختلف المرتبة التي تحتلها القوانين الأساسية في دول الدساتير المرنة عنها في دول الدساتير الجامدة.
مرتبة القوانين الأساسية في دول الدساتير المرنة
الدستور المرن هو الدستور الذي يمكن تعديله من قبل السلطة التشريعية نفسها، التي تسنّ القوانين العادية وفق الإجراءات نفسها المتبعة في تعديل القوانين العادية، وقد تتضمن أحكاماً مناقضة لأحكام الوثيقة الدستورية. لذا فإن القوانين الأساسية تحتل في الدول ذات الدساتير المرنة ذات مرتبة الوثيقة الدستورية.
مرتبة القوانين الأساسية في دول الدساتير الجامدة
يتم تعديل الدستور الجامد وفق شروط وإجراءات خاصة يحددها في أحكامه وتختلف عن إجراءات تعديل القوانين العادية. وبهذا فإن القوانين الأساسية التي تصدر عن السلطة التشريعية لا يجوز أن تتضمن أحكاماً مخالفة للأحكام الواردة في الوثيقة الدستورية. والقاعدة العامة السائدة في دول الدساتير الجامدة، هي أن القوانين الأساسية تحتل نفس مرتبة القوانين العادية

العرف الدستوري
التمييز بين العرف الدستوري والدستور العرفي
العرف الدستوري: هو جميع القواعد الدستورية التي نشأت عرفياً عن طريق العادات والسوابق في ظل دستور مكتوب، ثم استقرت في ضمير الجماعة كقواعد ملزمة واجبة الاحترام والتطبيق.. أما الدستور العرفي فهو مجموعة القواعد الدستورية المنظمة للسلطات العامة في الدولة والتي لم تدوّن بعد في وثيقة دستورية رسمية.
تعريف العرف الدستوري: قاعدة مطردة أو عادة معينة درجت عليها الهيئات الحاكمة في الشؤون المتصلة بنظام الحكم في الدولة، بحيث يقوم في ضمير الجماعة الإحساس بوجوب احترام هذه العادة وأنها أصبحت قاعدة قانونية ملزمة.
الركن المادي للعرف الدستوري: ويقصد به السير على نهج معين من قبل إحدى السلطات الحاكمة في الدولة بصفة مطردة وثابتة وواضحة بشأن مسألة دستورية معينة، شريطة التزام جميع السلطات الحاكمة في الدولة بهذا النهج وموافقتها عليه.
ويشترط لتحقق الركن المادي عدة شروط
  التكرار: تشترط أغلبية الفقه الدستوري تكرار العادة حتى يتوافر الركن المادي للعرف الدستوري، فيما يذهب آخرون للاكتفاء بحدوث التصرف مرة واحدة
  العمومية: يقصد بالعمومية التزام جميع السلطات الحاكمة في الدولة دون اعتراض بالتصرف الصادر عن إحدى السلطات العامة
  الوضوح: يجب أن تكون العادة التي درجت عليها السلطة واضحة تماماً، وألا تكون قابلة لعدة تفسيرات وغير مخالفة للدستور
الثبات وعدم الانقطاع: ينبغي أن يتكرر التصرف المكوّن لركن الاعتياد بشكل ثابت ومطرد دون انقطاع
الركن المعنوي للعرف الدستوري: وهو أن تتوفر صفة الإلزام لهذه العادة، وأن يتولّد لدى الجماعة "السلطة والأفراد" شعور بأن هذه العادة قد أصبحت قاعدة قانونية واجبة الإتباع وملزمة للجميع كبقية القواعد القانونية الأخرى النافذة في الدولة
أنواع العرف الدستوري
  العرف المفسّر: يقتصر دور هذا النوع من العرف الدستوري على تفسير ما قد يكون غامضاً من نصوص الدستور، أي أنه لا ينشئ قاعدة دستورية جديدة، وإنما يتحدد دوره في بيان كيفية تطبيق ما تتضمنه النصوص الدستورية من أحكام.
ويتفق معظم فقهاء القانون الدستوري على إعطاء العرف المفسر القيمة القانونية نفسها التي تحوزها النصوص الدستورية، لأنه يصبح جزءاً من هذه النصوص ما دام لا يتضمن مخالفة لنص دستوري أو ينطوي على تعديل لأحكامه.
  العرف المكمل: هذا النوع من العرف الدستوري يقوم بإكمال النقص الذي قد يوجد في القواعد الدستورية، وبالتالي فإنه ينشئ أحكاماً دستورية جديدة.. ولتحديد قيمته القانونية يوجد ثلاثة اتجاهات
. ذهب الاتجاه الأول إلى إعطائه قوة التشريعات العادية أي أن قيمته القانونية لا ترقى إلى قوة النصوص الدستورية.
  الاتجاه الثاني يلحق هذا النوع من العرف بالعرف المفسّر، ويرى أنصار هذا الاتجاه أن للعرف المكمل القوة القانونية نفسها التي يحوزها العرف المفسر.
3. الاتجاه الثالث يميز بين حالتين: الأولى حالة اقتصار العرف المكمل على تحديد كيفية تطبيق أحكام الدستور حيث يماثل العرف المفسر ويأخذ أحكامه.. والثانية أن يقوم العرف المكمل بإنشاء قواعد دستورية جديدة لا تستند إلى نصوص الدستور، وهنا يعتبر عرفاً معدلاً ليس له قيمة قانونية.
. العرف المعدل: يقوم بإجراء تعديل في نصوص الوثيقة الدستورية سواء بإضافة أحكام جديدة إليها أو بحذف بعض أحكامها.. وهو نوعان: العرف المعدل بإضافة والعرف المعدل بالحذف.. وقد اختلف فقهاء القانون حول مشروعيته وتحديد قيمته القانونية إلى ثلاثة آراء
عدم مشروعية العرف المعدل وعدم الإقرار له بأي قيمة قانونية لأنه يعتبر انتهاكاً للدستور.
. يقرون بمشروعية هذا العرف المعدل على أساس أنه تعبير مباشر عن إرادة الأمة صاحبة السيادة.
  يفرق الرأي الثالث بين العرف المعدل بالإضافة والعرف المعدل بالحذف، حيث يقر بمشروعية الأول ويعطيه القيمة القانونية نفسها لنصوص الدستور ولا يقر بمشروعية العرف المعدل بالحذف إطلاقاً

انواع الدساتير
الدساتير المدونة والدساتير غير المدونة
1.الدساتير المدونة: هي الدساتير التي تصدر جميع قواعدها وأحكامها أو على الأقل غالبيتها في شكل وثيقة أو عدة وثائق رسمية صادرة عن المشرّع الدستوري، إذ ليس من الضروري أن تكون جميع القواعد الدستورية مدونة حتى يكون الدستور مدوناً.
مزايا الدساتير المدونة
. وضوح النصوص المكتوبة وتحديد الأحكام التي تتضمنها بدقة، بعكس القوانين العرفية التي يكتنفها الغموض وعدم التحديد.
. إن الدستور المدون يعتبر تجديداً للعقد الاجتماعي الذي نشأت الجماعة السياسية على أساسه، وتدوينه يعتبر وسيلة لتعميم التربية السياسية.
. الدستور المدون يتجاوب بسرعة مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدولة.
. يعتبر الدستور المدون ضمانة هامة ضد الحكم المطلق والاعتداء على حقوق المواطنين وحرياتهم.
عيوب الدساتير المدونة
. إن الدستور المدون يعاني من الجمود الذي تعاني منه جميع التشريعات المدونة
. ليس صحيحاً أن الدستور المدون يعد ضمانة ضد الحكم المطلق، لأن القواعد الدستورية لا تستمد قوتها الحقيقية من كونها مدونة أو غير مدونة، وإنما من الوعي السياسي للجماعة ومدى تمسكها بالقواعد الدستورية وحمايتها لها
. الدساتير غير المدوّنة: ويطلق عليها الدساتير العرفية لأن العرف هو مصدر قواعدها، ويعتبر الدستور البريطاني المثال التقليدي على الدساتير غير المدونة لأنه يستمد غالبية أحكامه من العرف وبعضها من القضاء
امتيازات الدساتير العرفية
. مرونة الدستور العرفي وقابليته للتطور ومسايرة حاجات الحياة وضروراتها المتغيرة
. الدستور العرفي وليد المواءمة المستمرة بين الظروف السياسية والتاريخية وبين تطلعات الشعب وآماله

الدساتير المرنة والدساتير الجامدة
الدستور المرن: إمكانية تعديله بالطرق التشريعية وينجم عن ذلك مجموعة نتائج
. من الناحية القانونية: تأخذ الدساتير المرنة نفس القيمة القانونية التي تتمتع بها القوانين العادية.
. تختفي كل تفرقة شكلية بين القواعد الدستورية المرنة والتشريعات العادية ولا يبقى إلا الاختلاف في الناحية الموضوعية فقط.
. ينتج عن هذا الوضع تمتع السلطة التشريعية باختصاصات وسلطات واسعة في ظل الدستور المرن.
الدستور الجامد: يشترط اجتماع المجلسين التشريعيين في هيئة مؤتمر لإقرار التعديل عند الأخذ بنظام المجلسين، وقد يشترط موافقة أغلبية الشعب على التعديل المقترح عن طريق الاستفتاء الشعبي.
صور الجمود
. الجمود المطلق الجزئي أو الحظر الموضوعي: ويقصد به أن ينص الدستور على عدم جواز تعديل بعض مواده إطلاقاً وفي أي وقت من الأوقات.
. الجمود المطلق المؤقت أو الحظر الزمني: ويعني حظر إجراء أي تعديل في الدستور خلال فترة زمنية معينة.
. الجمود المطلق الكلي والدائم: وهو حظر إجراء أي تعديل في الدستور بصفة دائمة، ويوجد إجماع فقهي على بطلان هذا النوع من الجمود، وأن النص عليه في الدستور ليس له قيمة قانونية لأن الجمود المطلق الكلي يتنافى من الناحية السياسية مع سنة التطور.
يترتب على جمود الدستور بعض النتائج أبرزها
. التمييز بين السلطة التأسيسية والسلطة التشريعية والإقرار بتفوق الأولى على الثانية.
. السمو الشكلي والموضوعي للدستور الجامد على القوانين العادية، مما يمنحه الاحترام والقداسة لدى الهيئات الحاكمة وأفراد الشعب على حد سواء

نشأة الدساتير: هناك نوعان ديمقراطية وغير ديمقراطية
الأساليب غير الديمقراطية لنشأة الدساتير "الملكية"
. المنحة: وتعود نشأة الدستور في هذه الحالة إلى الإرادة المنفردة للحاكم وأسلوب المنحة هو الممر الذي عبر عنه النظام الملكي من الملكية المطلقة إلى الملكية المقيدة.
إن صدور الدستور عن طريق المنحة يعتبر من الناحية القانونية وليد إرادة الحاكم المستقلة ما جعل بعض الفقهاء يعطون الحاكم كامل الحق في إلغاء الدستور أو سحبه، بذريعة أن "من يملك المنح يملك المنع" ولكن غالبية فقهاء القانون الدستوري اتجهت إلى القول بعدم أحقية الحاكم في سحب أو إلغاء الدستور الصادر عن طريق المنحة للأسباب التالية
. من الناحية التاريخية لم يتم صدور أي دستور بشكل منحة إلا خوفاً من ثورة الشعوب وتمردها.
. إن إصدار الدستور من جانب الحاكم بطريقة المنحة وتحت ضغط الشعوب هو بمثابة استرداد لحقوق الشعب التي اغتصبها هذا الحاكم بطرق غير مشروعة، ولا يحق للحاكم الرجوع فيما منح لأن ذلك يعدّ اغتصاباً جديداً لهذه الحقوق.
. إن الإرادة المنفردة تكون مصدراً للالتزامات إذا ما صادفت قبولاً لدى أصحاب الشأن، وهكذا فإن قبول الأمة للدستور المنحة يسلب الحاكم إمكانية سحبه أو إلغائه.
ب. العقد أو التعاقد: ويتم وضع الدستور عن طريق توافق إرادة الحاكم مع إرادة ممثلي الشعب على قبول الوثيقة الدستورية واحترامها، فيكون الدستور ولد نتيجة تلاقي هاتين الإرادتين مما يعني عدم أحقية أي من الطرفين الانفراد بإلغاء الدستور أو سحبه أو تعديله.
ينتقد بعض الفقهاء إطلاق صفة العقد على الدساتير الصادرة بهذا الأسلوب، لأنها من الناحية الواقعية لم تصدر نتيجة رضا وتوافق حقيقي لإرادتين إنما نتيجة ضغوط وثورات شعبية وبذلك يكون اشتراك الحاكم في التعاقد صورياً.
الأساليب الديمقراطية لنشأة الدساتير "السيادة الشعبية": هناك أسلوبان.
. الجمعية التأسيسية: الدستور هو الذي ينشئ السلطات العامة للدولة بما فيها السلطة التشريعية، لذا لا يجوز أن تقوم هذه السلطة بوضع الدستور لأنها سلطة منشأة، حيث يقوم الشعب بانتخاب هيئة أو جمعية خاصة أعلى من السلطة التشريعية تأخذ السلطة التأسيسية وكالة خاصة من الشعب من أجل القيام بإعداد مشروع الدستور، والجمعية التأسيسية تتمتع بالسلطتين التأسيسية والتشريعية وتكون أقوى من السلطة التنفيذية.
. الاستفتاء الشعبي الدستوري: ويقسم إلى: الاستفتاء الدستوري، والاستفتاء التشريعي، والاستفتاء السياسي
الاستفتاء الدستوري: هو أن يعرض مشروع الدستور الذي تم إعداده من قبل لجنة تأسيسية منتخبة من الشعب على الشعب نفسه لمعرفة رأيه، ولا يكتمل وجوده قانوناً ولا يصبح نافذاً إلا بعد موافقة الشعب عليه.
ويفرق الفقه الدستوري بين الاستفتاء الدستوري والتصديق الشعبي: بأن التصديق الشعبي (الاستفتاء السياسي) هو أسلوب تنشأ به الدساتير في ظل أنظمة حكم تسمح للشعب ظاهرياً بالاشتراك في مباشرة السلطة التأسيسية من خلال إجراء استفتاء شعبي على مشروع الدستور، إلا أنها تحول واقعياً دون جعل هذه المشاركة الشعبية جدية

تعديل الدستور
السلطة المختصة بالتعديل: إذا كانت السلطة التأسيسية الأصلية هي التي تتولى وضع الدستور، فإن السلطة التأسيسية المنشأة هي المختصة بتعديل الدستور، وقد اختلف الفقهاء بشأن تحديد السلطة التي تملك الحق في تعديل الدستور، حيث ظهرت ثلاثة اتجاهات متباينة:
الاتجاه الأول: اعتبر حق التعديل ملكاً لجميع أفراد الشعب.. وينطلق هذا الاتجاه من فكرة فقهاء القانون الطبيعي القائلة بأن الدستور هو العقد الاجتماعي الذي أبرم بإجماع أعضاء الجماعة وموافقتهم عليه، ولذلك فإن تعديل هذا الدستور لا بد أن يقترن بموافقة مجموع الشعب على أساس أن هذا التعديل هو بمثابة تعديل لشروط العقد الاجتماعي.
الاتجاه الثاني: أعطى هذا الحق لممثلي الشعب.. ويرى أنصار هذا الاتجاه أن صلاحية تعديل الدستور تعود للشعب أو البرلمان لأن الأمة هي صاحبة السيادة ولها حق تعديل الدستور.
الاتجاه الثالث: إن الدستور ذاته هو الذي يحدد السلطة المختصة بتعديله.. وذهب غالبية الفقهاء إلى أن الدستور هو الذي يحدد السلطة المختصة بتعديله، ويعود هذا الرأي إلى الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو.
موقف الأنظمة الدستورية من تحديد السلطة المختصة بتعديل الدستور: توزعت الدساتير في تحديدها للجهة التي تمارس السلطة التأسيسية المنشأة بين ثلاثة اتجاهات: الأول حوّلها للسلطة التشريعية، والثاني أسندها لجمعية تأسيسية منتخبة من قبل الشعب، والثالث يعود بهذه السلطة إلى الشعب ذاته بواسطة الاستفتاء الشعبي.
أ. إسناد السلطة التأسيسية المنشأة للبرلمان: بعض الدساتير تشترط أغلبية خاصة تختلف عن الأغلبية المطلوبة لتعديل التشريعات العادية كالدستور اللبناني لعام 1926.. أو اجتماع البرلمان للتصويت على التعديل كدستور الجمهورية الفرنسية الثالثة عام 1875 .. أو حل البرلمان وانتخاب برلمان جديد كالدستور البلجيكي.
ب. منح السلطة التأسيسية المنشأة لجمعية تأسيسية: يجرى انتخابها من قبل الشعب لتولي مهمة تعديل الدستور كغالبية دساتير دول أمريكا اللاتينية.
ج. إسناد السلطة التأسيسية المنشأة للشعب: مثل دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة، حيث أعطت المادة (89 – 2) منه حق اقتراح التعديل لكل من رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان بمجلسيه ولا يصبح التعديل نافذاً إلا بموافقة الشعب عليه في استفتاء شعبي.
نطاق التعديل
. الحظر الموضوعي: تنص بعض الدساتير على تحريم تعديل بعض موادها أو أحكامها تحريماً مطلقاً، بهدف حماية الدعائم الأساسية التي يقوم عليها النظام السياسي كدساتير الكويت والجزائر والمغرب وفرنسا وتركيا واليونان وتونس وإيطاليا والبرازيل.
. الحظر الزمني: تحظر بعض الدساتير إجراء أي تعديل في أحكامها خلال مدة زمنية محددة، بهدف إضفاء الثبات والاستقرار على نصوص الوثيقة الدستورية، ويجرى النص على هذا الحظر عادة في أعقاب إعلان استقلال الدولة أو عند إقامة نظام سياسي جديد.. ينص الدستور السوري النافذ لعام 1973 على عدم جواز تعديله قبل انقضاء ثمانية عشر شهراً على نفاذه.
. حظر تعديل الدستور في ظروف معينة: في بعض الدساتير يحظر تعديل الدستور ويكون غير مشروع في الفترات التي تتعرض فيها الدولة لظروف استثنائية كالحرب أو الاحتلال، وعلة هذا الحظر هو أن إرادة الأمة قد تكون مقيدة ولا تستطيع التعبير عن إرادتها
. القيمة القانونية للنصوص التي تحظر تعديل الدستور
. الاتجاه الأول: يذهب إلى أن جميع النصوص الدستورية التي تحظر تعديل أحكام الدستور بصفة دائمة أو مؤقتة أو أثناء ظروف استثنائية ليس لها أية قيمة قانونية أو سياسية ولا تتمتع بأية قوة إلزامية، لأن هذا يتنافى مع مبدأ سيادة الأمة وحقها في تعديل دستورها متى تشاء.
. الاتجاه الثاني: يرى أن النصوص الدستورية التي تحظر تعديل بعض أحكام الدستور بصفة دائمة، باطلة ومجردة من كل قيمة قانونية، أما النصوص التي تحظر تعديل الدستور خلال فترة زمنية محددة أو عند تعرض الدولة لظروف استثنائية فإنها مشروعة وتتمتع بالقوة القانونية الملزمة.
. الاتجاه الثالث: يعتبر أن النصوص الدستورية التي تحظر تعديل الدستور خلال مدة زمنية محددة، أو التي تحظر تعديل بعض أحكامه بصفة دائمة تتمتع كبقية القواعد الدستورية الأخرى بالقوة القانونية الملزمة، إلا أنها قابلة للتعديل.
. الاتجاه الرابع: يميّز في مشروعية الحظر بين الناحية القانونية والناحية السياسية، فهذا الحظر مشروع من الناحية القانونية وباطل من الناحية السياسية لأنه يتناقض مع مبدأ سيادة الشعب وحقه في تعديل أو إلغاء ما قرّره في أي وقت يشاء.
إجراءات تعديل الدستور
. اقتراح التعديل: تتباين الدساتير بشأن الجهة المختصة باقتراح التعديل، فبعضها أعطى حق اقتراح التعديل للسلطة التنفيذية، ومنها من خوّل هذه الصلاحية للسلطة التشريعية، ومنهم من خوّل السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومنهم من يمنح الشعب إلى جانب البرلمان حق اقتراح تعديل الدستور.
. إقرار مبدأ التعديل: تمنح معظم الدساتير البرلمان صلاحية البت فيما إذا كان هناك ضرورة لإجراء تعديل الدستور، كما تشترط بعض الدساتير موافقة الشعب على مبدأ التعديل بالإضافة إلى موافقة البرلمان.
  إعداد التعديل: تختلف الدساتير في أساليب إعداد التعديل، فبعضها تنص على انتخاب هيئة خاصة مهمتها إعداد اقتراح التعديل، وتسند بعض الدساتير إلى الحكومة مهمة وضع مشروع التعديل وإعداده، فيما غالبية الدساتير تمنح صلاحية إعداد التعديل للبرلمان ضمن شروط معينة منها:
أ. اجتماع مجلسي البرلمان في هيئة مؤتمر لإعداد مشروع التعديل.
ب. اشتراط حضور أغلبية خاصة لصحة انعقاد البرلمان، وأغلبية خاصة لصحة القرار الصادر عنها.
ج. اشتراط حل البرلمان وانتخاب برلمان جديد يتولى مهمة التعديل.
  إقرار التعديل بصفة نهائية: تضع بعض الدساتير سلطة إقرار التعديل بصفة نهائية بيد الهيئة ذاتها التي قامت بمهمة إعداده، وتعطي بعض الدساتير هذه الصلاحية إلى الشعب عن طريق الاستفتاء الدستوري